في المغرب.. الأصوات المعارضة ضحية "تشديد القمع"
(حاولت الرباط إخفاء قمع المعارضين السياسيين الأكثر شهرة وراء إجراءات قانونية تهدف إلى تشويه سمعتهم، واتهامهم بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو الاختلاس).
لوموند.. سيمون روجر
أعقب اعتقال أربعة أفراد من عائلة اليوتيوبر هشام جيراندو مطلع شهر مارس الجاري، أحكاما مشددة على الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، ومواطن آخر انتقد إعادة الإعمار التي أعقبت زلزال 2023.
اتخذ قمع الأصوات المعارضة خطوة أخرى في المغرب، مع اعتقال أربعة أفراد من عائلة اليوتيوبر هشام جيراندو، مطلع شهر مارس الجاري. هذا المغربي، المقيم في كندا، والذي ينشط بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يتوقف عن بالتنديد بـ "الفساد" الذي تتهم به شخصيات عامة ومسؤولين كبارا في المملكة.
وإذا كانت السلطات المغربية معتادة على إجراءات الترهيب التي تمارس ضد المدافعين عن حرية التعبير، فإنها لم تقم حتى الآن باعتقال عدد من أفراد عائلة أحد المعارضين بشكل متزامن، وهو الأمر الذي حدث الآن بتدخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، التي أوقفت، في الأول من مارس الجاري، وأحالت على محكمة عين السبع، شقيقة هشام جيراندو، وزوجها، وابنها وابنتها ملاك، البالغة من العمر 13 عاما، والتي تعاني من مرض نادر.
ويواجه الأشخاص الأربعة -إلى جانب ناشط محلي من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كان حاضرا وقت المداهمة- تهم: "المشاركة في إهانة هيئة دستورية، والمشاركة في إهانة هيئة منظمة، والمشاركة في بث ونشر ادعاءات ووقائع كاذبة بغرض المساس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم، والمشاركة في جنحة التهديد".
ويُعتقد أن الفتاة القاصر، التي تم إيداعها منذ ذلك الحين في مركز لحماية الطفولة، قامت بشراء بطاقة إلكترونية لتتمكن عائلتها من التواصل مع هشام جيراندو، الذي تمت الإشارة إليه بصفة "المشتبه به الرئيسي الهارب خارج المغرب" في بيان صحفي صادر عن النيابة العامة، والذي تمكنت صحيفة لوموند من الاطلاع عليه.
ويقول عياد أهرام، نائب رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب (Asdhom) "إننا نشهد بوضوح تشديدا للقمع". ويرى المسؤول عن هذه المنظمة التي يقع مقرها في باريس، أن "المنطق السائد في كل هذه القضايا هو نفسه: إسكات الأصوات المنتقدة للنظام". ويأتي هذا الاعتقال العلني لنفس العائلة في سياق يتسم بانتهاكات متعددة للحريات الفردية.
وحكم على الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، الاثنين 3 مارس، بالسجن ستة أشهر بتهمة "نشر ادعاءات كاذبة". وكان هذا الخبير الاقتصادي البالغ من العمر 67 عاما، والذي يشغل منصب الكاتب العام لمنظمة Transparency Maroc، قد وضع تحت تدابير الحراسة النظرية، نهاية أكتوبر 2024، وأطلق سراحه بعد أيام قليلة، في انتظار محاكمته، واتهم عبد المومني عقب نشره على حسابه بالفايسبوك، تدوينة تتحدث عن اتهام المغرب بالتجسس على فرنسا باستخدام برنامج Pegasus، وتزامنت تدوينة عبد المومني مع زيارة إيمانويل ماكرون للمغرب، وهي الزيارة التي أرست التقارب بين باريس والرباط في 2024.
وطالبت عريضة أطلقت الأحد 9 مارس بمبادرة من عدد من جمعيات حقوق الإنسان المغاربية، بـ"إلغاء الحكم الصادر ضده وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي في المغرب والدول المغاربية".
ويرى الصحفي أحمد بنشمسي، المتحدث باسم منظمة هيومن رايتس ووتش في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن إدانة فؤاد عبد المومني تظهر التحول في أساليب القمع في المغرب.
وفي تقرير نُشر في صيف عام 2022، أوضحت المنظمة غير الحكومية (هيومن رايتس ووتش)، استنادا إلى العديد من الشهادات وتحليلات المحاكمات.. التقنيات التي تستخدمها المملكة الشريفة "لإسكات الأصوات المنتقدة" و"تخويف جميع المنتقدين المحتملين للدولة".
وحاولت الرباط بعد ذلك إخفاء قمع المعارضين السياسيين الأكثر شهرة وراء إجراءات قانونية تهدف إلى تشويه سمعتهم، واتهامهم بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو الاختلاس.
وفي اليوم التالي لإدانة عبد المومني، أرسل القضاء المغربي إشارة أخرى متشددة، من خلال قرار محكمة الاستئناف بمراكش برفع العقوبة على سعيد آيت مهدي من ثلاثة أشهر إلى سنة سجنا نافذا.
وكان آيت مهدي، وهو رئيس لتنسيقية ضحايا زلزال الحوز، وثلاثة من المتهمين معه (المحكوم عليهم بأربعة أشهر سجنا) قيد الحبس الاحتياطي منذ نهاية عام 2024، قد انتقد بطء وتيرة إعادة إعمار المنطقة بعد زلزال عام 2023، كما انتقد بعض المخالفات في منح المساعدات.
ويقول عياد أهرام بغضب: "هؤلاء مواطنون عاديون جاءوا للدفاع عن الضحايا". ولم ترد وزارة العدل المغربية على اتصالات صحيفة "لوموند".
"النظام يخاف من حرية التعبير، وفي السياق الصعب الذي يمر به المغرب، يجب على الشعب أن يصمت"، هذا ما يقوله المؤرخ المعطي منجب، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة عام في عام 2021 بتهمة "الاحتيال" و"الاعتداء على أمن الدولة"، ثم عفا عنه الملك في عام 2024.
ويصف المدافع عن حقوق الإنسان، البالغ من العمر 63 عامًا، والذي يعيش بالقرب من الرباط، السياق الحالي بالقول: "اشتد القمع منذ 2013، عقب الانقلاب في مصر [ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، المنتمي اجماعة الإخوان المسلمين]. ومنذ ذلك الحين، كانت كل سنة أسوأ من سابقتها، لكننا شهدنا تدهورا جديدا منذ عام 2020، يقول منجب، سببه الأول يكمن في غضب المجتمع المغربي، المرتبط على وجه الخصوص بارتفاع تكاليف المعيشة، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل حاد، وتجاوز معدل البطالة 20 في المائة في المدن، بل وأكثر من ذلك في القرى".
ولكن هذا ليس السبب الوحيد الذي حدده هذا الأكاديمي، الذي يبدو المناخ مظلما في عينيه بعد انتخابات2021، التي حسمت فوز الأحزاب القريبة من القصر واختفاء "مجموعات المعارضة القوية" من المشهد السياسي. ويعتقد منجب أنه "اليوم لدينا البرلمان الأقل مطالبة منذ استقلال المغرب".
ولا يزال العديد من نشطاء حقوق الإنسان في السجن، مثل وزير حقوق الإنسان السابق محمد زيان، في حين أدى العفو بمناسبة عيد العرش في 29 يوليوز 2024، إلى إطلاق سراح منتقدين معروفين آخرين للنظام، بما في ذلك الصحفيين عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين. واستفاد المعطي منجب أيضا من هذا العفو، "لكن تأثيره على الواقع ضئيل"، كما يقول هذا الأستاذ الجامعي: "لا أزال مستبعدا من وظيفتي وممنوعا من مغادرة البلاد، وممتلكاتي محجوزة، وحوالي عشرة أفراد من عائلتي قيد التحقيق".
لا شك أن تأكيد الرئيس الفرنسي على السيادة المغربية على الصحراء الغربية خلال زيارته الرسمية للمغرب، ساهم في خلق هذا المناخ العام الذي لم يعد نظام الرباط معه يتردد في "نفخ صدره"، حسب عياد أهرام.
ويذكر رئيس جمعية "Asdhom" أن "المملكة لا تزال تحتجز العديد من المعتقلين السياسيين الصحراويين، المحكوم عليهم بأحكام ثقيلة، والذين لم يستفيدوا قط من العفو".
ولا ينسى المدافعون عن حقوق الإنسان أيضا قضية المغاربة الذين رفضوا التطبيع مع إسرائيل ودعوا إلى الدفاع عن الفلسطينيين. وأكد المعطي منجب أن "مظاهرات التضامن مع الشعب الفلسطيني هي الأكبر التي شهدناها في المغرب خلال السنوات الأخيرة".
ومن المقرر عقد جلسة يوم الاثنين 10 مارس أمام محكمة خريبكة جنوب الدار البيضاء للبت في مصير الناشط محمد البوستاتي الذي يوجد رهن الاعتقال الاحتياطي بسبب منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي منددة بمسار التطبيع.
تعليقات
إرسال تعليق