مسرحيات المخابرات المغربية

لا يمر شهرٌ دون أن تطالعنا الأجهزة الأمنية المغربية ببلاغات مثيرة عن تفكيك "خلايا إرهابية" مفترضة، تُنسب دائماً إلى تنظيم داعش. السيناريو نفسه يتكرر، التوقيت مدروس بعناية، والنتيجة واحدة: تضخيم إعلامي، و"أبطال" من الأمن يروّجون لإنجازات على الورق، بينما الواقع يفضح هشاشة هذه المسرحيات الرخيصة.

ما يثير السخرية هو أن هذه الإعلانات تأتي غالباً في لحظات اشتداد الأزمة السياسية، وكأن هذه "الخلايا الإرهابية" تظهر فجأة كلما احتاج النظام إلى تحويل الأنظار عن فشله في تدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية. والنتيجة؟ جمهور مغربي بات أكثر وعياً، يرى في هذه الحملات الأمنية مجرد فقاعات إعلامية، ويفضل السخرية منها على مواقع التواصل بدل تصديقها.

التجارب السابقة كشفت أن العديد من المعتقلين في قضايا "الإرهاب" ليسوا سوى ضحايا اعتقال تعسفي، أُجبروا تحت الضغط والتعذيب على التوقيع على محاضر جاهزة. الأمثلة كثيرة، وأبرزها قضيتي محمد حاجب وعلي أعراس، اللذين خرجا من سجون المغرب ليكشفا للعالم حجم الظلم والتلفيق الذي مارسته الأجهزة الأمنية. شهاداتهما، المدعومة بأدلة دامغة، دمرت مصداقية الروايات الرسمية وأكدت أن آلاف الأبرياء يقبعون في السجون المغربية تحت يافطة مكافحة الإرهاب.

أما الإعلام الرسمي، فيواصل التطبيل والترويج لرواية الدولة دون أدنى مساءلة. لا تحقيقات مستقلة، لا دلائل ملموسة، فقط روايات هزلية تلقى الرفض الشعبي. وحينما يفقد الشعب ثقته في مؤسساته الأمنية، فهذا يعني أن الدولة دخلت مرحلة الإفلاس الأخلاقي والسياسي.

المطلوب اليوم ليس المزيد من المسرحيات الأمنية، بل قضاء نزيه، وأجهزة تحترم حقوق الإنسان، وصحافة حرة تفضح التجاوزات بدل أن تكون بوقاً للسلطة. أما الاستمرار في نهج الاعتقالات العشوائية والملفات المفبركة، فلن يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين الدولة والمجتمع، وجعل الثقة في المؤسسات الأمنية مجرد سراب.


تعليقات